دخل "الحزب الاشتراكي الموحد" المعارض في المغرب على خط ملف "حراك الريف" من خلال مقترح برلماني لخلق انفراج سياسي، عبر التماس سبل نيل ما تبقى من معتقلي الحراك حريتهم وفي مقدمتهم قائد الحراك، ناصر الزفزافي.
وطالب "الحزب الاشتراكي الموحد"، اليوم الإثنين، من خلال مقترح قانون تقدمت بها أمينته العامة نبيلة منيب إلى مكتب مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) بأن يشمل العفو بموجب هذا القانون نشطاء الحراك الذي شهدته منطقة الريف في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2016، والذين صدرت في حقهم أحكام قضائية ابتدائياً وتم تأييدها استئنافياً.
واعتبر مقترح القانون، أن "وجود خيرة شباب المنطقة وراء القضبان وصدور أحكام قاسية في حقهم لمجرد مطالبتهم بالعديد من المطالب التي أقرت الحكومة نفسها بمشروعيتها وعدالتها، أمر غير مقبول"، لافتاً إلى أن ذلك "يتطلب تدخلاً لتصحيح الوضع بالإفراج عنهم ورد الاعتبار لمنطقة الريف من أجل خلق مناخ جديد يعيد الثقة لأهل المنطقة في مؤسسات الدولة ويعالج شروخ الذاكرة الوطنية الجماعية في هذا الجزء من الوطن".
ولفتت المذكرة التقديمية للمقترح، إلى أن الغاية من النص هي معالجة التبعات الناتجة عن محاكمات ناصر الزفزافي وباقي رفاقه للمساهمة في خلق مناخ سليم وانفتاح سياسي، مسجلة ما وصفته بـ"التناقض" الذي ميز تعامل الدولة مع الملف.
وأوضحت أنه "رغم اللجوء إلى العنف للقضاء على الحراك الشعبي وصدور الأحكام القاسية، إلا أن الدولة اضطرت للاعتراف بشرعية مطالب الحراك، وذلك من خلال الإقدام على تشكيل لجان تحقيق في ما يتعلق بتعثر وتأخر إنجاز العديد من المشاريع، بل وصل الأمر حد إعفاء العديد من الوزراء والمسؤولين من مهامهم باعتبارهم مسؤولين عن ذلك".
واعتبر الحزب المعارض أن الحراك "تميز بطابعه السلمي والحضاري الذي شمل منطقة الريف بكاملها قبل أن يواجَه بالتجاهل والرفض، مع اعتماد أساليب العنف والجزر والتخوين، وهو ما ظهر من خلال التدخل العنيف لقوى الأمن لمنع التظاهر السلمي، وصولاً إلى مداهمة المنازل وترويع العائلات واعتقال المئات من المواطنين وتقديمهم للمحاكمة، حيث صدرت في حقهم أحكام قاسية وصلت إلى 20 سنة سجناً نافذاً".
ويرتكز مقترح قانون العفو العام على الفصل 71 من الدستور الذي ينص على أنه "يختص البرلمان بإصدار القانون، بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور مثل العفو"، في الوقت الذي يتحدث فيه الفصل 58 من الدستور المغربي عن حق العفو الذي يختص به الملك بصفته رئيس الدولة.
وتأتي مبادرة زعيمة حزب الاشتراكي الموحد المعارض، بعد نحو 6 أشهر من فتح وزير العدل المغربي والأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة" (المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي) عبد اللطيف وهبي، الباب أمام إمكانية الطي النهائي لملف حراك الريف، بعدما أعلن، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أنه يعمل على تحضير ملتمس للعفو عمن تبقوا من معتقلي حراك الريف في السجون، وسيرفعه إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس. غير أنه سرعان ما أعلن أن الموضوع وصل إلى نهايته بالنسبة له بعد أن اكتشف أن لا أحد من المعنيين بمقترح العفو الملكي قدم طلبا بهذا الخصوص لكي يتم الشروع في المسطرة القانونية لذلك.
وتثار أكثر من علامة استفهام حول إمكانية أن يتم تبني مقترح الحزب اليساري من قبل باقي الكتل النيابية خاصة في ظل طبيعة الملف الذي يتميز بالحساسية ويهم أطرافاً عديدة.
ورغم معانقة المزيد من المعتقلين للحرية من باب العفو الملكي، إلا أن إطلاق سراح من تبقى من معتقلين، وعلى رأسهم قائد الحراك ناصر الزفزافي يبقى إلى حد الساعة من المطالب الرئيسة التي يرفعها حقوقيون وجمعية عائلات المعتقلين، وذلك بهدف تحقيق تقدّم في مسار حلحلة الملف.
وطيلة السنوات الأربع الماضية، دخلت جهات متعددة على خط الملف من خلال اقتراح مبادرات لخلق انفراج، عبر التماس سبل نيل معتقلي الحراك حريتهم. وتوزعت المبادرات ما بين مقترح العفو العام الذي يمكن أن يصدره البرلمان في حالة تبنّي مشروع قانون يسمح بذلك، وبين مبادرات احتجاجية وأخرى تطالب المعتقلين بتقديم طلبات للعفو الملكي مرفقة بـ"مراجعات".
غير أن تلك المطالب أثارت غضب جمعية عائلات المعتقلين، إذ أعلنت رفضها تلك المبادرات، ورأت أن الجهات التي تقودها تعمد إلى الضغط على المعتقلين، وتحاول عزل قائد حراك الريف ووالده. كما طالبت بتغيير أسلوب التعامل، عبر تشكيل قوة مجتمعية تضغط على الدولة من أجل إطلاق سراح المعتقلين.
وتبقى من أبرز المبادرات التي دخلت على خط المصالحة بين الدولة ومعتقلي الحراك، مبادرة محمد النشناش، الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، الذي قاد بعد حوالي 10 أشهر من اندلاع الحراك، وساطة باسم "المبادرة المدنية من أجل الريف".
كما أن هناك المبادرة التي قادها نور الدين عيوش، المعروف بقربه من القصر، إلى جانب كلٍّ من كمال الحبيب وإدريس الموساوي وعلي أعبابو، باسم "الائتلاف من أجل الديمقراطية والحداثة"، حيث تم عقد لقاءات عديدة مع قياديي الحراك في سجن عكاشة بالدار البيضاء.
وفي الوقت الذي كان فيه الفشل هو مصير كل المبادرات المتعاقبة لإحداث الانفراج المنشود وإيجاد تسوية نهائية حتى الآن، شكّل تقديم طلبات الاستفادة من العفو الملكي الطريق الوحيد لمعانقة العديد من المعتقلين للحرية خلال السنوات الماضية.
وجرت العادة في المغرب أن يقوم الملك بإصدار عفو عن معتقلين، قد يصل عددهم إلى المئات، سواء من المتابعين قانونياً وبانتظار قرار المحكمة النهائي، أو المدانين من قبل المحاكم، وذلك خلال مناسبات وطنية ودينية، كـ"ذكرى المسيرة الخضراء" و"عيد العرش" وعيدي الفطر والأضحى.
وشكّل مصرع بائع للسمك يدعى محسن فكري مسحوقاً داخل شاحنة للقمامة كان قد صعد إليها لاسترداد بضاعته المصادرة من طرف السلطات المحلية في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2016، الشرارة الأولى لاندلاع حراك الريف، بعدما نظم شباب غاضبون وقفة احتجاجية دفعت محافظ الإقليم ومسؤولاً قضائياً بارزاً إلى النزول للشارع من أجل التفاوض معهم.
ومنذ تلك الليلة، عمت الاحتجاجات مدينة الحسيمة ومناطق مجاورة لها، لتتحول من مطلب محاكمة المتسببين الحقيقيين في مصرع بائع السمك، إلى مطالب أكبر وأشمل، تتضمّن رفع التهميش وما يسمّى العسكرة الأمنية عن الحسيمة، إضافة إلى تنفيذ مشاريع تنموية في مجالات التعليم والصحة والتشغيل.
وعرفت الاحتجاجات لا سيما في مدينة الحسيمة، زخماً بشرياً لأشهر عدة، حيث شهدت المدينة تظاهرات ومواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، انتهت باعتقال العشرات من الناشطين، أبرزهم ناصر الزفزافي، وذلك قبل أن تخف حدة هذه الاحتجاجات.
وبعد احتجاجات الريف، أقال العاهل المغربي الملك محمد السادس، 3 وزراء وعدداً من المسؤولين، لعدم إحراز تقدّم في خطة التنمية.
وفي يونيو/ حزيران 2018، قضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بإدانة الزفزافي و3 آخرين، هم سمير ايغيد، ونبيل أحمجيق، ووسيم البوستاتي، بالسجن لمدة 20 عاماً، وذلك بعد اتهامهم بـ"المساس بالسلامة الداخلية للمملكة".
كما قضت بحبس نشطاء آخرين لمدة تراوحت بين عام واحد و15 عاما، فيما قضت بالسجن 3 سنوات مع النفاذ في حق رئيس تحرير موقع "بديل أنفو" الصحافي حميد المهداوي، بتهمة "عدم التبليغ عن جريمة تهدد سلامة الدولة".